
بقلم /زين العابدين صالح عبد الرحمن
(خبير إعلامي – باحث في الشأن السياسي)
الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للسودان، و التقي فيها برئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، و أيضا التقى برئيس الوزراء كامل ادريس قد طرحت تساؤلات عديدة، و ذلك يرجع لآن الزيارة جاءت بعد زيارة محمد بن زايد لمصر، و بالتالي تصبح الزيارة كأنها مرتبطة بنتائج زيارة أبن زايد.. و أيضا بعد حالات الغرق لمناطق عديدة في مناطق النيل الأزرق و ولاية سنار و ولاية الجزيرة نتيجة لفتح بوابات سد النهضة، إلي جانب بيانات الرباعية، و تغريدات مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط و أفريقيا المتكررة.. و كلها أجندة على مائدة البحث و التشاور..و خلقت تساؤلات عديد في السودان، خاصة أن هناك قوى سياسية تأمل على الرباعية..
تحدث وزير الخارجية المصري للإعلام حديثا ملخصا حول العلاقات الإسترايجية بين البلدين، و كيفية إنهاء الحرب في السودان، و تقديم المساعدات الإنسانية، و التأكيد على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين دون أن يدخل في تفاصل مطولة، و قال أن مصر تدعم المؤسسات الوطنية في السودان، و في مقدمتها المؤسسة العسكرية.. و أن مصر تعمل من أجل إنها الحرب في السودان من خلال الدفع في كل الأطر الدولية بما في ذلك الرباعية للتوصل إلي هدنة إنسانية تقود لوقف فوري لإطلاق النار، و إطلاق عملية سياسية تقود لتوافق سوداني سوداني..
في الجانب الأخر: قال وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم، إن زيارة وزير الخارجية المصري للسودان تأتي في إطار التشاور المستمر بين قيادتي البلدين، في إطار تعزيز مجالات التعاون المشترك، وتقوية العلاقات الثنائية. و “حرب الكرامة” ألزمت كل المؤسسات بالدولة أن تقوم بدورها على أكمل وجه، لذلك نجد أن الجهد الدبلوماسي يسير على ذات الجبهة جنباً إلى جنب مع المقاتلين على الأرض- حسب قوله… يحاول وزير الخارجية السوداني أن يؤكد أن الدوبلماسية لا تعمل بمعزل عن المؤسسة العسكرية في الميدان، أنما هناك رباطا عضويا يجعل الدوبلماسية تعد تعبيرا عن ” حرب الكرامة” و هي إشارة مقصودة لكي تبين؛ ليس هناك ضغوطا دولية تمارس على السودان لكي يعدل هذه السياسة.. و مصر لا تستطيع أن تكون بعيدة عن النشاط الدولي خاصة فيما يختص بالمنطقة التي تؤثر على مصالحها.. يحاول وزير الخارجية السوداني أن يبين أن الزيارة لا تحمل إلزاما على السودان، أنما تفاكر حول وفقا للمقتضيات المشتركة، و مصر متفهمة لموقف الجيش السوداني من الرباعية و وجود الأمارات فيها..
تأتي أهمية الزيارة خاصة للذين يعتقدون أن الرباعية سوف تمارس ضغوطات تجبر فيها قيادة الجيش أن تنصاع إلي التفاوض مع الميليشيا، و هي رغبة الأمارات و الذين يديرون في فلكها.. أن الرباعية و غيرها من النشاطات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية، إذا كان في إدارة الرئيس السابق بايدن، أو الإدراة الأمريكية الحالية هي استجابة للضغوطات التي تمارسها الأمارات عليهم، لأنها تريد أن تمنع هزيمة الميليشيا، و تسعى إلي التفاوض من أجل أن تعيد الميليشيا إلي الساحة العسكرية و أيضا السياسية.. و إعادة الميليشيا تعني إعادة جناحها السياسي.. لذلك تجد القيادات في الجناح السياسي للميليشيا يهللون للرباعية..
أن أهم أجندة الرباعية ليس عملية إنهاء الحرب، بل الهدنة التي تترتب عليها عملية وقف القتال، و توصيل المساعدات.. المقصود منها؛ هي إعطاء فرصة للميليشيا أن تعيد ترتيب صفوفها و مساعدتها على الحشد و الاستنفار، إذا كان في داخل أو خارج السودان، إلي جانب توصيل كل إحتياجاتها من السلاح المطلوب.. الأمر الذي يرفضه الجيش تماما.. أما بعض القيادات السياسية الذين تعلق مصيرهم السياسي بوجود الميليشيا هؤلاء هم الذين يبشرون بأن الرباعية و يعتقدون إنها سوف تعيد فاعلية منبر جدة.. و أن القيادة في السودان سوف تقبل الجلوس في ظل الرباعية مع الميليشيا، و هؤلاء يطرقوا على ذلك لأنهم يعتقدون أنه الخيار الوحيد الذي سوف يعيدهم للساحة السياسية..
الرباعية إذا فشلت مهمتها في السودان أمامها خيار واحد، أن تعلن الحرب على السوان، و هذا الخيار لن تقدم عليه الإدارة الأمريكية، خاصة أن السودان لا يمثل الأولوية في أجندتها السياسية و الاقتصادية، و لن ترضخ لضغوطات الأمارات لكي تحارب بديلا عنها.. يمكن أن تدعمها سياسيا و ليس حربيا.. كما يقول المثل السوداني ” المحرش لا يقاتل” و لا اعتقد من مصلحة مصر بقاء الميليشيا أو أحياء وجودها ساسيا مرة أخرى.. و صناع القرار في مصر على قناعة أن الرباعية ليس هدفها هو وقف الحرب، و إنقاذ السودانيين من الموت.. بل الهدف منها هو تبيض وجه الأمارات، و تحقيق الأجندة التي تصبو إليها.. لذلك سوف يصبح عمل الرباعية هو إرضاء الأمارات، و سيظل مسعد بولس يواصل تغريداته كما كان من قبل توم بيرييللو الذي كان يلوح بالعصى و الجزرة و في النهاية أصبح معلقا على الأحداث من خلال تغريدات في X”” .. و يبقى دعم الأصدقاء واجب لتحقيق إستراتيجية الجيش..
هناك من يعتقد أن الدعم الاقتصادي الذي تتلقاه مصر من دولة الأمارات سوف يحدث تغييرا في علاقتها الإستراتيجية مع السودان، و حتى الذهنية الأماراتية تعتقد ذلك، لكن مصر تعرف جوهر العلاقة بين الدولتين.. خاصة أن منطقة الشرق الأوسط ملتهبة، و تعرضت اتفاقية السلام بين مصر و إسرائيل إلي تمزيق بعض بنودها، و أصبح التلويح بالعصى ظاهرا بين الجانبين، و هنا يعاد التذكير بجوهر العلاقة الإستراتيجية، و هذا ما أشار إليه وزير الخارجية المصري في زيارته، و ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة في السودان، و خاصة الجيش.. الرباعية ستظل تطلق تصريحات، و التلويح بالعصى و ليس للضغط على الجيش، انما لكي تبتز الإدارة الأمريكية الأمارات و جعل أياديها سخية لا تتوقف عن الدفع.. أما في السودان أن الجيش و القوى التي تقاتل معه و أغلبية الشعب يريدون سودان خالي من الميليشيا و أذنابها.. و هي أيضا سياسة ليست بعيدة عن الإستراتيجية السودانية المصرية… نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة..